فصل: تفسير الآيات (28- 29):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (17):

{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)}
إنما تَقَرُّ عينُكَ برؤية مَنْ تحبه، أو ما تحبه؛ فطالبْ قلبكَ وراع حالك، فيحصل اليومَ سرورُك، وكذلك غداً.. وعلى ذلك تحشر؛ ففي الخبر: «مَنْ كان بحالة لقي الله بها».
ثم إنّ وصفَ ما قال الله سبحانه إنه لا يعلمه أحدٌ- مُحَالٌ، اللهم أن يُقال: إنها حال عزيزة، وصفةٌ جَليلة.

.تفسير الآية رقم (18):

{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)}
أفمن كان في حال الوصال يَجِرّ أذيالَه كنتْ هو في مَذلةِ الفراق يقاسي وبالَهَ؟
أفمن كان في رَوْحِ القربة ونسيم الزلفة كمن هو في هوْل العقوبة يعاني مشقة الكلفة؟
أفمن هو في رَوْح إقبالنا عليه كمن هو محنة إعراضنا عنه؟
أفمن بقي معنا كمنْ بقي عَنَّا؟
أفمنْ هو في نهار العرفان وضياء الإحسان كمن هو في ليالي الكفران ووحشة العصيان؟
أَفمن أُيِّدَ بنور البرهان وطلعت عليه شموسُ العرفان كمن ربطَ بالخذلان ووُسم بالحرمان؟ لا يستويان ولا يلتقيان!

.تفسير الآية رقم (19):

{أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19)}
{الَّذِينَ ءَامَنُواْ}: صَدَّقوا، و{وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ}: يما حَققوا- فلهم حُسْنُ الحال، وحيمدُ المآلُ وجزيلُ المنال، وأَما الذين كدّوا وجحدوا، وفي معاملاتهم أساءوا وأفسدوا، فقصاراهم الخزيُ والهوان، وفنونٌ من المحن وألوان.. كلما راموا من محنتهم خلاصاً ازدادوا فيها انتكاساً، ولكما أَمَّلوا نجاةً جُرّعوا وزيدوا ياساً.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)}
قومٌ عذابهم الأدنى مِحَنُ الدينا، والعذابُ الأكبر لهم عقوبة العنبي.
وقوْمٌ العذاب الأدنى لهم فترةٌ تتداخلهم في عبادتهم، والعذاب الأكبر لهم قسوةٌ في قلوبهم تصيبهم.
وقومٌ العذاب الأدنى لهم وقفة في سلوكهم تُنِيبهم، والعذابُ الأكبرُ لهم حجةٌ عن مشاهدهم تنَالهم، قال قائلهم:
أَدّبتني بانصرافِ قلبك عنّي ** فانظرْ إليّ فقد أحسنت تأديبي

ويقال العذاب الأدنى الخذلان في الزلة، والأكبر الهجران في الوصلة.
ويقال العذاب الأدنى تكدّر مشاربهم بعد صفوها، كما قالوا:
لقد كان ما بيني زماناً وبينه ** كما بين ريح المسك والعنبر الورد

ويقال العذاب الأكبر لهم تطاولُ أيامِ الغياب من غير تبين آخِرٍ لها، كما قيل:
تطاول نأينا يا نور حتى ** كأن نسجتْ عليه العنكبوتُ

.تفسير الآية رقم (22):

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)}
إذا نُبِّهَ العبدُ بأنواع الزَّجر، وحُرِّكَ- لتَرْكِهِ حدودَ الرقاق- بصنوفٍ من التأديب ثم لم يرتدع عن فعله، واغترّ بطول سلامته، وأمِنَ من هواجم مَكره، وخفايا سِرِّه.. أَخَذَه بغتةً بحيث لا يجد خرجةً مَنْ أخذته، قال تعالى: {لاَ تَجْئَرُواْ الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ} [المؤمنون: 65].

.تفسير الآية رقم (23):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23)}
فلا تكن في مرية من لقائه غداً لنا ورؤيته لنا.
{وَجَعَلْنَاهُ هُدًًى لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ}:
وهذا محمد صلى الله عليه وسلم جُعِلَ رحمةً للعالمين.

.تفسير الآية رقم (24):

{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)}
لمّا صبروا على طلبنا سَعِدوا بوجودنا، وتعدّى ما نالوا من أفضالنا إلى مُتبعيهم وانبسط شعاعُ شموسهم على جميع أهلِهم؛ فهم للخلْق هُداةٌ، وفي الدين عيون، وللمسترشدين نجوم.

.تفسير الآية رقم (25):

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25)}
يحكم بينهم، وعند ذلك يتبين المردودُ من المقبول، والمهجور من الموصول، والرضيّ من الغوّي، والعدو من الوليّ.. فكم من بهجةٍ دامت هنالك! وكم من مهجةِ ذابت عند ذلك!

.تفسير الآية رقم (26):

{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26)}
أو لم يعتبروا بمنازلِ أقوام كانوا في حَبرَةٍ، كانوا في سرورٍ فآلوا إلى ثبور؛ فجميع ديارهم ومزارِهم صارت لأغيارهم، وصنوفُ أموالهم عادت إلى أشكالهم، سكنوا في ظلالهم ولم يعتبروا بمن مضى من أمثالهم، وكما قيل:
نعمةٌ كانت على قو ** مٍ زماناً ثم بانت

هكذا النعمةُ والإح ** سانُ مذ كان وكانت

.تفسير الآية رقم (27):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)}
الإشارة فيه: تُسْقى حدائقُ وَصْلِهم بعد جفاف عودِها، وزوال المأنوسِ من معهودِ، فيعود عودها مورِقاً بعد ذبوله، حاكياً بحاله حال حصوله.

.تفسير الآيات (28- 29):

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29)}
استبعدوا يومَ التلاقي وجحدوه، فأخبرهم أنه ليس لهم إلا الحسرة والمحنة إذا شهدوه.

.تفسير الآية رقم (30):

{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)}
أعْرِض عنهم باشتغالك بنا، وإقبالك علينا، وانقطاعك إلينا.
{وَانتَظِرْ} زوائدَ وَصْلِنا، وعوائدَ لطفنا.
{إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ} هواجِمَ مقتنا وخفايا مكرنا.. وعن قريب يجد كلُّ منتظرَه محتضراً.

.سورة الأحزاب:

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)}
يا أيها المُشَرَّفُ حالاً، المُفَخَّمُ قَدْراً مِنَّا، المُعَلَّى رُتْبَةً من قِبَلِنا.. يا أيها المُرَقَّى إلى أعلى الرُّتَبِ بأسنى القُرَبِ.. يا أيها المُخَبِّرُ عنا، المأمونُ على أسرارنا، المُبَلِّغُ خطابَنا إلى أحبابنا.. اتقِ الله أن تلاحِظَ غَيراً معنا، أو تساكِنَ شيئاً من دوننا، أو تُثْبِتَ أحداً سوانا، أو تَتَوَهَّمَ شظيةً مِنَ الحدثان من سوانا. {وَلاَ تُطِعِ الْكَافِريِنَ} [الأحزاب: 1] إشفاقاً منك عليهم، وطمعاً في إيمانهم بنا لو وافَقَتْهم في شيء أرادوه منك.
والتقوى رقيبٌ على قلوب أوليائه يمنعهم في أنفاسهم، وسَكَناتِهم، وحَرَكاتهم أن ينظروا إلى غيره- أو يُثْبِتوا معه غيره- إلا منصوباً لقدرته، مصرَّفاً بمشيئته، نافذاً فيه حُكْمُ قضيته.
التقوى لجامٌ يكبحك عمَّا لا يجوز، زمامٌ يقودك إلى ما تحب، سوطٌ يسوقك إلى ما أُمِرْتَ به، شاخصٌ يحملك على القيام بحقِّ الله حِرْزٌ يعصمك مَنْ توَصل أعدائك إليك، عُوذَةٌ تشفيك من داء الخطأ.
التقوى وسيلةٌ إلى ساحات كَرمه، ذريعةٌ تتوسل بها إلى عقوبة جوده.

.تفسير الآية رقم (2):

{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2)}
اتبعْ ولا تبتدع، واقتدِ بما نأمرك به، ولا تهتدِ باختيارك غير ما نختار لك، ولا تُعرِّج أوطان الكسل، ولا تجنح إلى ناحية التواني، وكن لنا لا لكَ، وقم بنا لا بِكَ.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3)}
انسلخْ عن إيابك، واصدق في إيابك إلينا، وتشاغل عن حسبانك معنا، واحذر ذهابك عنا، ولا تُقَصِّرْ في خطابك معنا.
ويقال التوكل تحقُّقٌ ثم تَخَلُّقٌ ثم توثق ثم تملق؛ تحققٌ في العقيدة، وتخلقٌ بإقامة الشريعة، وتوثق بالمقسوم من القضية، وتملّقٌ بين يديه بحُسْنِ العبودية.
ويقال التوكلُ تحقّقٌ وتعلقٌ وتخلقٌ، تحقّقٌ بالله وتعلّقٌ بالله ثم تخلقٌ بأوامر الله.
ويقال التوكل استواءُ القلب في العدم والوجود.

.تفسير الآية رقم (4):

{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)}
قوله جلّ ذكره: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ}.
القلبُ إذا اشتغل بشيء شُغِلَ عما سواه، فالمشتغلُ بما مِنَ العَدَم منفصلٌ عمن له القِدَمُ، والمتصل بقلبه بمن نعته القِدَم مشتغلٌ عمَّا من العدَم.. والَليل والنهار لا يجتمعان، والغيبُ والغيرُ لا يلتقيان.
{وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ الَّئِى تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُم ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ}.
اللائي تظاهرتم منهن لَسْنَ أمهاتكم، والذين تبنيتم ليسوا بأبنائكم، وإن الذي صرتم إليه من افترائكم، وما نسبتم إلينا من آرائكم فذلك مردودٌ عليكم، غيرُ مقبولٍ منكم، وإن أمسكتم عنه بعد البيان نجوتم، وإن تمادَيتم بعد ما أعْلِمْتم. أطلت المحنةُ عليكم.

.تفسير الآية رقم (5):

{ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5)}
راعُوا أنسابهم، فإن أردتم غير النسبة فالأخوّةُ في الدِّين تجمعكم، وقرابةُ الدِّين والشكلية أولى من قرابة النَّسَبِ، كما قالوا:
وقالوا قريبٌ من أبٍ وعمومةٍ ** فقلتُ: وإخوانُ الصفاء الأقاربُ

نُناسبهم شكلاً وعِلماً وأُلفةً ** وإن باعدتهم في الأصول المناسبُ

.تفسير الآية رقم (6):

{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)}
الإشارة من هذا: تقديم سُنته على هواك، والوقوفُ عند إشارته دون ما يتعلقُ به مُناك، وإيثار من تتوسل سبباً ونسباً على أعِزَّتِكَ ومَن والاكَ.
{وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}:
ليكن الأجانبُ منك على جانب، ولتكن صلتك بالأقارب، وصلةُ الرحِم ليست بمقاربة الديار وتعاقب المزار، ولكن بموافقة القلوب، والمساعدة في حالتي المكروه والمحبوب:
أرواحنا في مكانٍ واحدٍ وغدت ** أشباحُنا بشآمٍ أو خراسان

.تفسير الآية رقم (7):

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7)}
أخذَ ميثاق النبيين وقتَ استخراج الذرية من صُلب آدم- فهو الميثاق الأول، وكذلك ميثاق الكلِّ. ثم عند بَعْثِ كلِّ رسول ونُبُوَّةِ كلِّ نبيِّ أخذ ميثاقة، وذلك على لسانِ جبريل عليه السلام، وقد استخلص الله سبحانه نبيَّنا عليه السلام، فأسمعه كلامَه- بلا واسطة- ليلةَ المعراج. وكذلك موسى عليه السلام- أخذ الميثاق منه بلا واسطة ولكن كان لنبينا- صلى الله عليه وسلم- زيادة حال؛ فقد كان له مع سماع الخطاب كشفُ الرؤية.
ثم أخذ المواثيق من العُبَّاد بقلوبهم وأسرارهم بما يخصهم من خطابه، فلكلِّ من الأنبياء والأَولياء والأكابر على ما يُؤهلهم له، قال صلى الله عليه وسلم: «لقد كان في الأمم مُحَدَّثون فإن يكن في أمتي فَعُمَر» وغيرُ عمر مشارِكٌ لعمر في خواص كثيرة، وذلك شيء يتمُّ بينهم وبين ربِّهم.

.تفسير الآية رقم (8):

{لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)}
يسألهم سؤال تشريفٍ لا سؤال تعنيف، وسؤال إيجابٍ لا سؤال عتاب. والصدقُ ألا يكون في أحوالِكَ شَوْبٌ ولا في اعتقادك رَيْبٌ، ولا في أعمالك عَيْبٌ. ويقال من أمارات الصدق في المعاملة وجودُ الإخلاص من غير ملاحظة مخلوق. والصدقُ في الأحوال تصفيتُها من غير مداخلة إعجاب.
والصدق في الأقوال سلامتها من المعاريض فيما بينك وبين نفسك، وفيما بينك وبين الناس والتباعدُ عن التلبيس، وفيما بينك وبين الله بإدامة التبرِّي من الحَوْلِ والقوة، ومواصلة الاستعانة، وحفظ العهود معه على الدوام.
والصدق في التوكل عَدَمُ الانزعاج عند الفَقْدِ، وزوال الاستبشار بالوجود.
والصدق في الأمر بالمعروف التحرُّز من قليل المداهنة وكثيرها، وألا تتركَ ذلك لِفَزَعٍ أو لِطَمَعٍ، وأن تَشْرَبَ مما تَسْفِي، وتتصف بما تأمر، وتنهي (نَفْسَك) عما تَزْجُر.
ويقال الصدق أن يهتدي إليكَ كلُّ أحد، ويكون عليك فيما تقول وتظهر اعتماد.
ويقال الصدق ألا تجنحَ إلى التأويلات.